د. زيد حمزة
فيما يلي سطور قديمة كتبتها في 26 /7 /1980 في واحد من حوالي 300 مقال في (الرأي) بين عامي 1977 - 1997 ضّمها كتابي الجديد (بين الطب والصحافة / الجزء الثاني ):... (حتى الاربعينات كان عندنا في العاصمة بضعة شوارع رئيسية كنا نسميها طرقا منسوبة الى البلدات المتجهة اليها كطريق السلط وطريق وادي السير وطريق المحطة، اما طريق المهاجرين فمتجه الى رأس العين حيث سكن (المهاجرون ) الشركس عندما جازوا من قفقاسيا، ومنذ عام 1948 بدأت عمان تتسع وتنمو بشكل سريع حتى اصبح فيها اليوم مئات الشوارع الرئيسية والاف الفرعية، وبقيت جميعها بلا اسماء الا بعضها فقد حمل اسماء عشوائية قديمة. ومع الوقت ازدادت الحاجة للتنظيم وتقسيم المدينة الى مناطق واحياء وشوارع وجادات ومداخل، بالاضافة الى ترقيم البيوت والعمارات والشقق ، وذلك لاغراض عديدة بينها البريد والخدمات البلدية والاسعاف والطوارئ والدفاع المدني والتعبئة والامن وسيارات الاجرة والسياحة والتجارة والصحافة والاعلان والضرائب والاحوال المدنية ومئات من المعاملات التي تزخر بها حياتنا اليومية المعقدة. وحتى الستينات بقيت الحالة على ما هي عليه، تعاقبت مجالس الامانة وتضاعفت ميزانيتها عشرات المرات وتحققت مئات المشاريع العمرانية لكن مشروعا واحدا بسيطا هو تسمية الشوارع وترقيم البيوت ظل حلما يراود المواطنين دون ان يتحقق حتى باتوا يظنون انه صعب جدا واسهل منه اطلاق صاروخ الى الفضاء ! لكن احد الخبثاء رد السبب الى ان مثل هذا المشروع متعب ومرهق ولا يحقق ربحا كالمشاريع الاخرى التي تنزل في العطاءات، وما ادراك ما العطاءات ؟!! ثم.. نامت القضية سنوات طويلة اخرى حتى السبعينات حين طلعت علينا الحكومة بمشروع جديد تبنته دائرة الاحصاءات العامة بالاضافة الى امانة العاصمة وبالتعاون مع الاجهزة المختصة في الامم المتحدة ، وقيل لنا انذاك ان المشروع يتبع نظاما عالميا جديدا هو حصيلة لخبرات الدول المتقدمة في هذا المضمار ، ورحنا نتابعه باهتمام بالغ خصوصا وان اجهزة الاعلام رافقت مراحله وظلت تزودنا اولا باول باخر المعلومات عنه وتشرح لنا كيف انه نظام رقمي بحت لا اسماء فيه ، وهو يقسم المدينة الى مناطق يحمل كل منها رقما، وكل منطقة الى شوارع رئيسية تحمل ارقاما ثم شوارع فرعية بارقام اخرى ، وهكذا الى ان يصل الرقم الى قطعة الارض او البناء المقام عليها واقسامه او شققه.. وقيل لنا انه احدث ما توصل اليه العلم الهندسي في تخطيط المدن وانه سيحل كل المشاكل التنظيمية دفعة واحدة.. وفرحنا، فرحنا جدا كالاطفال ونحن نرى اللوحات ذات الالوان المختلفة تحمل ارقاماً فقط وتعلق في شوارعنا وعلى اسوار منازلنا، واخيرا وبعد سنوات من الاعداد والاستعداد والتوعية، تم تحديد موعد للمؤتمر الاعلامي الكبير الذي سيعلن فيه عن بدء العمل رسميا بالنظام الجديد ومضى الوقت المحدد دون ان ينعقد وخيّم على اجهزة الاعلام صمت غريب الا من خبر صغير نشرته الصحف في باب المجتمع يفيد بان مدير دائرة الاحصاءات قد احيل على التقاعد، وفهمنا ان النظام الرقمي قد وضع على الرف ! ومضت سنة او اكثر ثم بدأنا نشاهد على شوارعنا لوحات جديدة تحمل اسماء بعضُها جديد وبعضُها اعادة للاسماء التي أًطلقت في الستينات وادركنا أننا في مخاض مشروع آخر ، وهنا.. اسمحوا لنا ان نطرح بعض الاسئلة:
لماذا أُلغي النظام الرقمي الذي كلف الكثير من الجهد وأُعطي الف سبب وسبب عن افضليته على كل الانظمة ؟!
كيف يتم اختيار اسماء الشوارع في المشروع الجديد وعلى أي الاسس ؟! وهل سيصدر كتيب يحوي الاسماء وبضعة سطور تفسيرية عنها - دون حرج او احراج - لان كثيرا منها مجهول ، عند اكثر المواطنين ؟!
هل الاسماء المجيدة في تاريخ الانسانية والشعوب الاخرى ممنوعة في بلدنا لمجرد انها اجنبية علما بان بعض الاسماء التي أخذت من تاريخنا او حاضرنا لا نتفق جميعا على اهميتها ومستواها ؟! فحتى نتلقى اجوبة تحترم ذاكرة المواطن ولا تستهين بذكائه ، وحتى نستعيد حقنا في انتخاب مجلس الامانة ، فاننا لانملك - وقد انتظرنا عشرات السنين - الا الاعتقاد بان الامانة في هذا الامر الحيوي.. تتسلى بنا ! ).
وبعد.. فلا أقصد باستحضار هذه السطور القديمة مطالبة المسؤولين بان يتحلوا بشجاعة المراجعة والتقييم فيما يفعلون أو تجديد دعوتي التي لم تتوقف منذ نصف قرن لدمقرطة انتخابات الامانة أسوة بباقي بلديات المملكة ، بل مجرد التذكير بأن اربعة عقود أخرى قد ضاعت على عاصمتنا ومازلنا ننتظر الاجابة عن نفس الأسئلة المذكورة وغيرها كثير ومازال المواطنون مستمرين في شكواهم من أن المشروع المنجز لم يحل مشكلتهم في الوصول الى العناوين المبتغاة بسهولة ويسر في غياب خرائط حديثة دقيقة كالتي تتوفر بكثرة في مدن العالم المتقدم مجانا أو باسعار زهيدة وقد قيل إن ذلك رهن بموافقة جهة أخرى ، وأخيراً التنويه بأن بعض الانفراج قد بدأ يتحقق في هذا الشأن لا على ايدينا بل بفضل الثورة التكنولوجية التي ادت لاستخدام خرائط غوغل على ال GPS.. وهي ليست في متناول كل مواطن !